رأي في تعديلات مدونة الأسرة المغربية
Jan 08 2025|Written by Slimane Akalië|opinion, politics
أعتقد أن هناك مشكلتين فيما يتعلق بمقترحات تعديل مدونة الأسرة: من حيث الشكل، حاولت الهيئة الجمع بين نقيضين و هما تطبيق الشريعة الإسلامية و تطبيق المعايير الغربية لإنصاف المرأة. و من حيث المضمون مالت المقترحات لظلم الرجل، و ظلم الرجل فيه ظلم للمرأة، لأن الأسرة و المجتمع لا يستقيمان و طرف يبني سعادته على بؤس الطرف الآخر سواء كان هذا الأخير رجلا أو إمرأة.
المقاربة التوافقية بين الشريعة الإسلامية و المعايير الغربية لإنصاف المرأة تكشف المشكل الأكبر في التركيبة السياسية للمغرب. لأسباب تاريخية و مرحلية و براغماتية يشرحها مثلا الأستاذ حسن أوريد باستفاضة في كتاب "السياسة و الدين في المغرب: جدلية السلطان و الفرقان"، معظم القوانين التنظيمية و المؤسسات السياسية في المغرب هي مستمدة من مفهوم الدولة المدنية بتعريفه الأوروبي مابعد الثورة الفرنسية و لا علاقة لها بالإسلام، و في نفس الوقت شرعية النظام السياسي مستمدة من النسب الشريف و نظام البيعة الإسلامي و ليس الانتخابات كما في الدولة المدنية.
فإذن تطبيق الشريعة الإسلامية في مدونة الأسرة سيظلم المرأة لأن القوانين التنظيمية و المؤسسات التي تضمن حقها بشكل تكاملي غير موجودة في الواقع اتباعا لفلسفة الدولة المدنية (و هذه القوانين و المؤسسات موجودة في فلسفة الشريعة الإسلامية).
لكن من جهة أخرى، القضاء التام على قوانين الشريعة الإسلامية في آخر معاقلها و هو مدونة الأسرة، يهدد شرعية النظام و شعبيته المستمدتين من الإسلام، و في الهجمة التي تعرض لها وزير الأوقاف حينما قال "نحن علمانيون" عبرة لأولي الألباب.
حتى في التفاصيل هناك تناقضات لا تخطئها العين، فجل المقترحات خالفت نصوص صريحة من القرآن و السنة (سورة النساء و الطلاق خصوصا)، فالإسلام مثلا لا يضع المبررات و التقييدات للتعدد بل يبيحه بدون شروط تقريبا و لا يحدد سن 17 سنة كسن أدنى للزواج و لا يساوي في الولاية الشرعية بين الرجل و المرأة. لكن في نفس الوقت يتم رفض ادخال الخبرة الجينية لإثبات النسب بدعوى أن هناك حديثا واحدا يعارض هذا القول، و هذه ازدواجية صريحة في المعايير، فإما أنك تأخذ بالنصوص في كل شيء أو لا تأخذ بها في أي شيء.
المدونة مجرد عرض لداء أكبر هو أننا لم نحسم اختيارنا: هل نحن دولة إسلامية تحتكم لإمارة المؤمنين و تطبق الشريعة، أم نحن دولة مدنية تحتكم لملكية برلمانية و تعامل المواطنين على حد سواء بغض النظر عن دينهم. لا يمكن أن نكون الإثنين في نفس الوقت لأن هذه دولة مستحيلة كما يصفها الأستاذ وائل حلاق في كتاب بنفس الإسم. طالما لم نجب على هذا السؤال بشكل واضح و قاطع قانونيا و سياسيا و واقعيا، سنظل نعالج الأعراض و ننسى الأسباب.