اللغة العربية في المغرب

Dec 18 2024|Written by Slimane Akalië|opinion, ideas


في اليوم العالمي للغة العربية، أتأمل كيف ارتبطت هذه اللغة العريقة و القوية في وجداني و وجدان الكثير من الشباب المغربي بأشياء تدعو إلى التهكم و تحيل إلى الإنفصال عن الواقع.

اللغة الفرنسية هي لغة المال والأعمال في المغرب كما أنها وسيلة للتفاخر الاجتماعي، و اللغة الإنجليزية هي لغة الشاب الماقت للفرنسية بإرثها الإستعماري و ارتباطها بنظام التعليم العمومي الفاشل الذي يظهر الطبقية في الفرق بينه و بين نظيره الخصوصي، و هي أيضا لغة العمليين الطامحين ممن يستهويهم الحلم الأمريكي في الارتقاء الطبقي بسرعة الكد و العمل و ليس بالمدارس المكلفة و النسب.

أما اللغة العربية فارتبطت في وجداننا بهؤلاء الفشلة المنفصلين عن الواقع سواء تعلق الأمر بحكام تدلت عمائمهم فوق أعينهم بسيوفهم العربية التي نسيت سنوات الشموخ (كما قال أمل دنقل) ينددون و لا يحاربون، أو بمفكرين أفلاطونيين يكتبون كتبا لا يقرؤها أحد أو محتالي التنمية البشرية أو شيوخ الحور العين و تمجيد ولي الأمر أو شعراء الحب و الهيام، و ارتبطت في الماضي القريب أيضا بالدبلجة ("كايهدر بحال إيلا خارج من شي مسلسل مكسيكي").
إعطاء مساحة كبرى للغات "العامية" إعلاميا و انفجار شعبية بعض الأفلام و المسلسلات الشرقية، زد على ذلك استخدام خطاب شعبوي يدغدغ مشاعر الجماهير (خصوصا مع حكومة بنكيران و ما تبعها) ساهموا أيضا في تراجع اللغة العربية من المشهد و جعلها أكثر أكاديمية و "نخبوية". صار من السهل أن تجد في المغرب من يجيد إلى حد كبير العامية المصرية و اللبنانية و لا يجيد اللغة العربية الفصحى.

كل شخص طبعا له حرية اختيار إجادة أي لغة و التعددية اللغوية شيء محمود. الإشكال هو أن لغتك الأولى التي تفكر و تتحدث بها هي أكثر من مجرد لغة هي منظومة قيم و طريقة تفكير تحيل إلى المتحدثين الأصليين لتلك اللغة، فإذن إخضاع منظومة قيمك و طريقة تفكيرك لأهواء السوق و نزوات الساسة شيء خطير.
إن كنت تكره طريقة التفكير و منظومة القيم الفرنسيتين، فإن إتقانك للغة الفرنسية كلغة أولى سيجعلك تكره نفسك يوما ما لأنك ستفكر و ستتصرف وفق منظومة قيم أنت غير مقتنع بها. و بالمثل إن كنت تحب طريقة التفكير و منظومة القيم الفرنسيتين، فإن إتقانك للغة الفرنسية كلغة أولى سيجعلك في سكينة مع نفسك لأنك ستفكر و ستتصرف وفق منظومة قيم أنت تحبها. نفس الشيء ينطبق على الإنجليزية الأمريكية و الإنجليزية البريطانية و اللغة الصينية و اللغة الكورية و اللغة اليابانية و حتى العربية للمغاربة الغير مسلمين خصوصا.

المكون الديني مهم أيضا، كما لا يستقيم ليهودي أن لا يجيد العبرية، لا يستقيم لمسلم أن يكره منظومة القيم العربية لأنها صيغت بشكل كبير بداية من الحنيفية وصولا إلى الإسلام، كما أن اللغة العربية هي لغة القرآن و السنة، و الترجمة لم و لن تكون كالنص الأصلي، فإجادة اللغة العربية إذن شرط لفهم الإسلام و التفكر فيه.