حاكم الوطن ليس هو الوطن

Mar 26 2022|Written by Slimane Akalië|opinion, politics


في آخر أجزاء شهادة الفريق سعد الدين الشاذلي رحمه الله على العصر مع الإعلامي أحمد منصور، انتقد هذا الأخير مواقف الفريق الشاذلي قائلا:

“الطريق الذي اخترته من الذهاب إلى الجزائر في ١٩ يونيو ١٩٧٨ و اتخاذ الجزائر منبرا للهجوم على مصر”

فإذا بالفريق الشاذلي ينتفض كمن طُعن في شرفه أو دينه ثم رد قائلا:

“لا لا لا تقل الهجوم على مصر، يجب أن نفرق بين مصر و حاكم مصر، مصر فوق الجميع”

كيف لا ينتفض الرجل و هو من كان رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية في فترة غالية من تاريخ العرب، بل و كان من هندس “النصر” الوحيد للعرب على من اغتصب أرضهم حين استلم الجيش المصري خاويا على عروشه بعد نكسة ١٩٦٧ إلى أن وصل به مع الجنود الأحرار لعبور قناة السويس في أكتوبر ١٩٧٣.

المثير للاهتمام في رد الفريق الشاذلي هو تجنب الخلط بين الوطن و حاكم الوطن، فمن وجهة نظره السادات و حكومته ليسوا مصر و قد اختلف معهم و قدم استقالته و عارضهم طويلا و سُجن من أجل ذلك إلى أن كرمته ثورة يناير بعد وفاته.

لطالما جال بخاطري سؤال بسيط لا أدري إن كنت قد وجدت له جوابا شافيا إلى اليوم: لماذا دولنا العربية لاتضاهي نظيراتها من الدول الغربية و بعض الدول الآسيوية في التقدم العلمي و الاقتصادي و مؤشرات التنمية البشرية، رغم توفرها على موارد طبيعية جيدة جدا و كفاءات بشرية عالية؟

بعض الأجوبة التي قد تفسر هذا التناقض هي الاحتلال، التفكير الانهزامي، المؤامرات الخارجية، الحروب الداخلية. و لكن كل هاته العوامل كانت لدى العديد من الدول و استطاعت أن تتغلب عليها بعد سنين قليلة، هذا التغيير لطالما كان ثمرة العمل على جبهتين: الأفراد و النظام السياسي.

ولكن المثير للدهشة هو أن النظام السياسي يؤثر تأثيرا كبيرا على إنتاجية الأفراد لأن الإنسان ليس آلة بدون إحساس.

الجواب الأقرب للحقيقة هو أن مايسبب تراجع الدول على كل المستويات هو أنظمتها السياسية لأن من على رأسها يقدم مصلحته الشخصية على المصلحة العامة. هاته الأنظمة تكون عموما مستبدة و تضمن استمرارها عن طريق التحكم في مصادر المعلومات لدى العامة (كالمقررات الدراسية و وسائل الإعلام) لترسيخ مفاهيم و طرق تفكير معينة تخدم هذا الغرض.

من أشهر هاته المفاهيم هي أن حاكم الوطن هو الوطن، الأنظمة المستبدة تتغذى على هذا المفهوم حتى ينسى الشعب أن هذا الحاكم هو مسؤول سياسي يمكن أن يحاسب و أن يستبدل بمسؤول آخر، و بهذا يقدس هذا الحاكم ويصير هو الوطن و إن انتقدته صرت خائنا للوطن. أما الثلة القليلة التي لاتنطلي عليها هاته الحيلة من أمثال الفريق الشاذلي، فالنظام يستخدم العنف ليفرض الأمر الواقع عليها أو ليمحيها من على أرض الوجود.

المشكلة تقع عندما تكبر هاته الثلة القليلة لتصير الأغلبية، عندها يصير حاكم الوطن بين نارين، إما يمارس العنف على فئة من هاته الأغلبية على أمل أن تخاف البقية، أو أن يقدم تنازلات لحظية على أمل أن يقسم هاته الكتلة فيما بعد و يرجع إلى تسلطه الأول.

أما إن لم تخف البقية، حلت الكارثة. فحاكم الوطن يظهر وجهه الحقيقي مكشرا عن أنياب القمع و الاستبداد للحفاظ على كرسيه، وقد ينجح في ذلك بقوة السلاح بشكل لحظي لكن الثمن يكون في الغالب باهضا. أولا لأن دفاعه عن حكمه يدمر الوطن و ثانيا لأن استخدامه لقوة السلاح ضد عموم الناس يضرب أسطورة أن "حاكم الوطن هو الوطن" في مقتل، لسبب بسيط هو أن الوطن لا يقتل أو يعذب أبناءه. هذا الثمن الباهض سيتحمل تكلفته حاكم الوطن و لو بعد حين، و في الربيع العربي عبرة لأولي الألباب.
و حين يسترجع الشعب الوطن و يتعلم الدرس القاسي كما حدث في الثورة الفرنسية، بعدها تكون اللامركزية هي الحل فحتى إن وصل إلى الحكم أناس من النظام القديم فسلطاتهم تكون مقيدة و هم عرضة للمحاسبة.

و مع هذا كله يمكن أن يقع الشعب مجددا في الفخ و يثق كلية في أناس يبدؤون ببناء نظام إستبدادي باستخدام آليات ديمقراطية إما عن طريق تمديد مدد حكمهم أو إلغاء اللامركزية بحجة الطوارئ و الأمن القومي و من ثم يبدأ السيناريو المؤلم من جديد.

القاسم المشترك بين الأنظمة المستبدة هو حكم الشخص الواحد لفترات طويلة من الزمن حتى تنشأ أجيال تنسى أن من أتى بهذا الشخص هم آباؤهم و أجدادهم. و حتى بعد وفاة هذا الحاكم، يظل الربط بينه و بين الوطن قائما في الوجدان الشعبي و لو بدرجات أخف لأن هناك "وطنا" جديدا قد وصل للحكم.

صورة الغلاف بعدسة Calin Stan.